Wednesday, January 9, 2008

الثقافة والانتفاضة

لم تكن الثقافة الفلسطينية خلال سنوات الانتفاضة الأربع الماضية بمنأى عن الاستهداف الصهيوني الذي دمّر الأخضر واليابس، بل كانت في قائمة الأهداف سواء بتدمير المؤسسات الثقافية أو اقتحامها، أو اعتقال المثقفين وغيرها من الأساليب التي ابتدعها الاحتلال في محاولة منه لكسر عزيمة الشعب الفلسطيني.ورغم قساوة الظروف وقلّة الحيلة وشراسة العدو، إلا أن المثقف الفلسطيني ظل حريصاً على إبراز مكانته وعرض إنتاجه والدفاع عن قضيته، حيث شهد عام الانتفاضة الرابع حركة ثقافية على مختلف المستويات، ليس لأن الاحتلال أوقف جرائمه، بل لأن المثقف الفلسطيني تخطى الصعاب وابتكر من الوسائل والأساليب ما يمكّنه من إيصال فكرته وإنتاجه للقارئ.فمثلاً على المستوى الجامعي نشط خلال العام الرابع للانتفاضة الاتجاه إلى دراسة الماجستير في الجامعات الفلسطينية وفتح أقسام جديدة بها للتغلب على الإعاقات التي يضعها الاحتلال أمام المسافرين للخارج.وفي حديث خاص أعرب كل من يوسف الترتوري عضو جمعية العنقاء الثقافية ومدير مديرية وزارة الثقافة بمدينة الخليل، وريم صبة المسؤولة بمركز خليل السكاكيني الثقافي بمدينة رام الله عن أملهم في نمو الإنتاج الثقافي خلال الفترة القادمة بشكل ملحوظ.تأثير الإغلاقأوضح يوسف الترتوري أن الشعب الفلسطيني لا زال يعاني من الإجراءات الإسرائيلية التعسفية المتمثلة في الإغلاق ، كما يواصل منع إدخال الكتب بشكل رسمي إلى فلسطين، فيما تحول الحواجز دون التواصل الإنساني والثقافي ما بين المحافظات والأفراد والناشطين في المحافظة الواحدة.وقال إن عدداً كبيراً من المؤسسات الثقافية الفلسطينية تعرض للتدمير والإغلاق أيضاً، إلا أن الشعب الفلسطيني يحاول دائماً أن يبتكر من الوسائل والأساليب ما يتغلب به على هذه الوسائل القمعية والتعسفية، مشيراً إلى أنه وفي محافظة الخليل على وجه الخصوص تعقد العديد من الندوات والأمسيات الثقافية، وكان هناك تركيز خلال العام الماضي على ورشات الفن التشكيلي للفنانين المحترفين والأطفال.فعلى صعيد الفنانين التشكيليين المحترفين أشار الترتوري إلى أن وزارة الثقافة وبالتعاون مع المؤسسات الثقافية وعلى رأسها جمعية العنقاء الثقافية اتبعت فكرة ((ورشة تشكيل على طول)) التي تقوم على فكرة تجميع الفنانين التشكيليين في مكان واحد تحت سقف واحد وتوفر لهم الوزارة ومؤسسات أخرى داعمة عبر الجمعية المواد اللازمة من أجل إنتاج ثقافي تشكيلي مميز.وعن مضمون هذه اللوحات أكد الترتوري أن رسومات الكبار والصغار تعبر عن نبض الوطن وعن أمنه وأمن الشارع. وأضاف: على سبيل المثال عندما كنت تطلب من أي طفل أن يرسم لوحة قبل الانتفاضة، لم تكن تجد فيها دبابة أو هيلوكوبتر رغم أنه كان بها السجن والقيد والصبار، لكن هناك الآن بعض العناصر البارزة التي أصبحت تشكل أساساً للرسم لدى الأطفال كتدمير البيوت والطائرات والدبابات.الإصداراتوعلى صعيد الإنتاج الأدبي والإصدارات أوضح الترتوري أنه صدرت العديد من الإصدارات على مستوى الوطن، لكنها قليلة إجمالاً إذا قورنت بالمجالات الأخرى، فخلال العام الرابع للانتفاضة لاحظنا خروج ما لا يقل عن عشرين إصداراً ما بين فكري وإبداعي على مستوى المحافظات والوطن بشكل عام.وعلى الصعيد السينمائي أضاف أن وزارة الثقافة أعلنت عن بداية حملة اهتمامها بالسينما الفلسطينية، حيث تقام جولة من العروض لفيلم الأخير للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفة ((فيلم 181)) وهذا فيلم طويل يتعرض للخط الفاصل 180، خط قرار 181 لتقسيم فلسطين، مشيراً إلى أن ((الفلسطينيين استطاعوا أن يتغلبوا على العديد من المعوقات عبر وسائل الاتصال الحديثة بالاتصال التلفزيوني، حيت تتم مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه من خلال برنامج انترافكس)).وأشار إلى ازدياد عدد رسائل الماجستير التي تتم مناقشتها في الجامعات الفلسطينية، مضيفاً أن ((التوجه نحو التحصيل العلمي ازداد داخل الوطن بسبب عدم السماح للعديد من الطلاب بالسفر ومغادرة الوطن لتلقي تعليمهم العالي خارج الوطن، فالجامعات الفلسطينية تتحمل عبئاً كبيراً في هذا الاتجاه)).المؤتمراتوفيما يتعلق بالمؤتمرات أشار إلى أن وزارة الثقافة عقدت مؤتمراً هاماً حول السياسات الثقافية الفلسطينية وانطلقت في القاهرة ثم عقدت في رام الله في حزيران/يونيو الماضي، ثم في أيلول/سبتمبر تعقد في محافظة الخليل وستخرج بتوصيات ورؤى المهتمين، سواء كانوا من الجامعات الفلسطينية أو المؤسسات الثقافية أو الناشطين والأفراد المهتمين، وهذا المؤتمر يعوّل عليه كثيراً في سياق البناء السياسي الثقافي في المرحلة المقبلة.وأضاف أن العام القادم سيكون عام السينما في فلسطين حيث تتجه الآن الجهود لإنشاء العديد من أندية أو نوادي السينما في المدارس والمؤسسات لتوعية الجمهور بالرسالة الثقافية للسينما الفلسطينية والعالمية أيضاً.وفيما يتعلق بالإصدارات قال: نحن في جمعية العنقاء أصدرنا في السنوات القليلة الماضية 19 إصداراً، منها 3 إصدارات في عام الانتفاضة الرابع فقط نتيجة للظروف المالية الصعبة والاستثنائية، إلا أن هناك العديد من المؤسسات الأهلية ووزارة الثقافة تهتم بهذا الجانب، بين الوقت والآخر ضمن الإمكانيات المتاحة لكنها شحيحة للغاية.وأضاف أن وزارة الثقافة أقامت مهرجانات الطفل الفلسطيني وساهمت في تمويل ما لا يقل عن خمس إلى ست مسرحيات لفرق وطنية محلية من القدس ورام الله ونابلس، كما قدمت هذه العروض ضمن جولة عروض في رام الله ونابلس ومن المقرر أن تنقل للخليل. الشعروحول وضع الكتابة الشعرية قال الترتوري: ظاهرة الكتابة الشعرية في فلسطين ظاهرة قديمة، حتى أصبح هناك تصنيف مميز له تحت خانة شعر المقاومة لا زالت مظاهره قائمة حتى اليوم، لأن أسباب استمرار المقاومة لم تزل، فما زال الشعراء يحاولون أن يعبّروا عن رفضهم للاحتلال والتغني بحب الوطن. من خلال هذه الإصدارات أيضاً في مجال القصة القصيرة والرواية الفلسطينية صدرت العديد من الإصدارات، خاصة تلك التي تركز على الجانب المقاوم. الفلسطينيون رفعوا شعار مزيداً من الكتابة الإبداعية في حب الوطن تعني مزيداً من حب الوطن بحد ذاته، والكلمة المقاومة لا زالت تلعب دوراً مهماً في حشد الجماهير والتأثير بهم والنهوض بالوعي الثقافي الوطني بشكل عام.وأشار إلى أن كتاب الشهر الذي توزعه وزارة الثقافة شهرياً مع الصحف الفلسطينية وجه آخر للنهوض الثقافي والتغلب على الحصار. وقال إنه يأتي ضمن الإبداعات الفلسطينية لتجاوز العقبات التي يضعها الاحتلال أمام التواصل والتوزيع حتى للكتب -على قلّتها- التي تصدر، موضحاً أنه تم اللجوء إلى أسلوب تطويري لحملة كتاب في جريدة.مقارنةوبالمقارنة مع العام الذي قبله قال الترتوري إن عام الانتفاضة الرابع شهد ازدياد الإنتاج الثقافي، ليس لأن الظروف قد تحسنت وليس لأن الاحتلال قد خفف من هجمته الشرسة على شعبنا ومظاهر العمل الثقافي والوطني، بل لأن الفلسطينيين استطاعوا فعلاً استحداث أساليب جيدة مثل إصدار كتاب في جريدة أو النشرات التي تصدر كملاحق مع الصحف. وأضاف: هذا حقيقة إبداع فلسطيني وتحايل إيجابي وراقٍ يستحق الإشادة على جملة المنغصات التي يفرضها الاحتلال على الحياة الثقافية الفلسطينية.ورأى أن استمرار التواصل مع العالم الخارجي سيساهم بشكل كبير في تطوير الإنتاج الثقافي الفلسطيني، مشيراً إلى أن زيارة فريق من كبار الكتاب والمبدعين العالميين للتضامن مع الشعب الفلسطيني كانت مؤثرة.زخم ثقافيمن جهتها قالت ريم صبة، من مركز خليل السكاكيني في رام الله إن العام الرابع للانتفاضة كان مزدحماً بالنشاط الثقافي مع وجود المهرجانات الدولية للسينما.وأضافت أن شهر تموز/يوليو الماضي شهد إقامة مهرجان الفيلم الفلسطيني ((أحلام أمّة)) كما افتتح قصر الثقافة ومنتدى الفنانين الصغار، وتم التحرك الواضح لجمعية الفن المعاصر مع رابطة الفنانين التشكيليين.وتابعت أن وزارة الثقافة قررت أن يكون عام 2005 عاماً للسينما الفلسطينية، كما أقيمت المهرجانات الثقافية في رام الله وظهرت أول مسرحية موسيقية ((فوانيس)).وأشارت إلى أن التحركات على المستوى الدولي جارية، حيث أن القدرة الإبداعية موجودة لدى الفلسطينيين ولديهم القدرة على الوصول للعالم رغم الإعاقات.

No comments: